Tuesday, March 14, 2017

تحية طيبة.. وبعد

ثمة نكتة تعود للعهود الشيوعية، تقول إن شاباً ألمانياً ذهب للعمل والدراسة في صربيا، وكان الشاب يعلم مسبقاً أن البريد السوفياتي مراقب بصرامة، لذا إتفق مع رفاقه أن يكتب لهم بالحبر الأزرق إن كان كل شيء طبيعياً، أما إذا كتب بالأحمر فمضمون رسالته زائف ومشفر، بعد وصوله بأشهر بعث برسالة إلى الأصدقاء في ألمانيا، فتجمهروا حولها وفتحوها بلهفة شديدة، فخاب أملهم لما وجدوها بالأزرق، ومع ذلك شرعوا بقراءتها… “كل شيء جميل هنا، المخازن ممتلئة بالأطعمة الجيدة، مسارح العرض تعرض أفلاماً غربية جديدة، الشقق واسعة وفخمة وفيها تدفئة مقبولة، الشيء الوحيد الذي ليس بإمكانك شراؤه في هذه المدينة هو قلم الحبر الأحمر”…

أخذتني نوبة هستيرية من الضحك، وقد سرحت فيما كنت سأكتب لو كنت مكانه، لساعات طوال الليل كنت أقهقه كلما خرجت بسيناريو أحمر مكتوب بالحبر الأزرق، حتى عقدت العزم على مراسلة أصدقائي في المهجر…

إلى أصدقائي في كندا وأميركا والبرازيل والخليج وسائر بلاد الإنتشار اللبناني.

تحية طيبة.. وبعد

أكتب إليكم من لبنان، بلد المحبة والتسامح والديمقراطية والحرية المطلقة، أنا في أحسن حال هنا، أحس بالأمان الشديد، لا خوف عليّ أبداً، ولا ينقصني شيء مطلقاً، كل شيء متوفر هنا، الماء، والوقود، والكهرباء، والرعاية الصحية وكلها بأبخس الأثمان.

البلد نظيف للغاية، لا نفايات ولا مطامر ولا تلوث! حتى أن نسيم العاصمة في نفق سليم سلام "يرد الروح".

الوظائف هنا كثيرة، لكن مقياس الحصول عليها هو الكفاءة لا شيء آخر، الرواتب في لبنان مرتفعة للغاية، حتى لو أسرفت إلى حد الجنون، سيبقى راتبك في جيبك وكأنه ينجب ويتكاثر، الشعب هنا مضياف كريم، يعامل الأجانب بعدل وإنصاف ويمنحهم حقوقهم الإنسانية كلها، لا ينتقص منها شيئاً، يمكنك أن تكتب وتعبر كيفما تشاء، لن يتعرض لك أحد، الإختلاف في الآراء يُعالج بالطرق الودية والحبية، خاصة أن الابتسامة تعلو كل الوجوه في كل الأوقات.

تصوروا أن السوريين ورغم رغد العيش والأمان في سوريا، يأتون طوعاً إلى لبنان للتنعم بحسن الضيافة ، يعيشون بين اللبنانيين في قصور وشقق فخمة وواسعة تطل على البحر وعلى الحدائق العامة الغنّاء.

الحكام هنا عادلون، والشعب يعبدهم (حرفياً)، ومن فرط حبه لهم طالبهم بإلغاء الانتخابات ليمددوا لأنفسهم، لأنه من المستحيل أن يأتي بغيرهم، الديمقراطية بدعة قديمة، هنا اخترعوا التمديد كإحدى أحدث نظريات الولاء الجماهيري.

أحدثكم عن أهل السياسة، وعن أكفهم البيضاء النظيفة المنزهة عن الخطأ، وكأنهم قديسون وملائكة، يااااه لو تعلمون مدى حرصهم على هيبة الدولة واستقلالها وقرارها السيد الحر، وعلى مؤسساتها وحداثتها، حتى أنهم أراحوا العسكر من عناء السهر، فقام كل زعيم بإنشاء تنظيم يسهر على أمن الناس وسلامتهم، عناصره يمكن تمييزهم بسهولة، فهم يلبسون الأبيض، ويمسكون بورود حمراء نضرة في أيديهم.

من النعيم اللبناني، أعاتبكم يا أصدقائي على اختياركم الهجرة، لقد أضعتم الكثير، تركتم ورائكم جنة الله على الأرض.

_____
منقول

No comments:

Post a Comment